إنزال سعوديّ اقتصاديّ – سياسيّ في دمشق – جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة




بقلم محمد قواص
«أساس ميديا»
في عزّ الجدل بشأن ظروف تفجّر المواجهات في محافظة السويداء، وما قاد إليه الأمر من تدخّل إسرائيلي خطير نال من العاصمة السوريّة، راجت أنباء تدفع بها آلات إسرائيلية إيرانية ومنابر لـ “المحور” وفلول النظام السابق، تضخّ سيناريوهات تلمّح إلى تبدّل جذري في موقف المجتمع الدولي والإقليمي من التحوّل الذي قاده الرئيس أحمد الشرع في سوريا وأنهى 54 عاماً من نظام آل الأسد في سوريا.
كان الحدث جللاً، تخلّلته انتهاكات متبادلة طالت دروز السويداء وعشائرها العربية. دفعت قوّات وزارة الدفاع والداخلية أثماناً جرّاء كمائن كانت تنتظرها في الميدان، وأثمان سمعة تشوّهت داخل فوضى صعبت إدارتها والإمساك بمخارجها.
السّعوديّة تضع النّقاط على الحروف
كانت دمشق تتعرّض لضربات إسرائيلية طالت مبنى هيئة الأركان العامّة وأطراف القصر الرئاسي في 16 الشهر الجاري. أدركت العواصم أنّ شيئاً ما أباح لإسرائيل التعرّض للرموز العسكرية والسياسية لنظام سوريا الجديد. أوحى الحدث أنّ في الأمر قراراً قد يكون أميركيّاً يتيح لإسرائيل ارتكاب محرّمات لا يمكن تجاوزها في حقّ رئيس سوري كان قبل شهرين فقط، في أيّار، مجتمعاً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض.
ولئن كثر الضباب فوق سوريا. كان على السعوديّة أن تخرج بالمواقف الحازمة الحاسمة وتطلق من الرياض ما يضع آلافاً من النقاط على الحروف.
بدا أنّ “أمر عمليّات” سعوديّ أطلق كلمة سرّ إقليمية دفعت 10 دول عربية، إضافة إلى تركيا، لإصدار بيان جماعي عاجل ينفخ غضباً من بين سطور نُحتت داخل أبجديّات دبلوماسيّة. فحوى البيان: لن تسمح المنطقة للأمر الواقع الإسرائيلي أن يعبث بتحوّلات في سوريا باتت مكسباً إقليمياً جماعياً هو خليجي لبناني مصري عراقي تركي كما هو سوري على السواء.
في “بيان السعودية” وشركائها تأكيد على استمرار دعم واضح لحكومة دمشق وتأييد لأيّ إجراءات تتّخذها. وفي البيان رسائل مباشرة إلى الحليف في الولايات المتّحدة تقول: إنّ المنطقة لن تقبل أن توحي إسرائيل برسائل غير مفهومة تهدّد أمن كلّ دول المنطقة من خلال سوريا، وتشوّه إرادة أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لكلّ دول المنطقة من الرياض، بالاعتراف بالدولة السوريّة الجديدة ورئيسها، ورفع العقوبات عن البلد.ولمن لا يريد أن يفهم رسائل الرياض أخرجت المملكة واجهة نافرة. أعلنت السعودية أمراً صدر عن وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان “بالزحف” نحو سوريا عبر عشرات من رجال الأعمال السعوديّين الحاملين مليارات من العقود الاقتصادية. ولمن يريد أن يطّلع على تفاصيل ما جرى في المنتدى السعودي السوري للاستثمار الذي انعقد في 24 تمّوز الجاري في دمشق، فإنّ أخباره منشورة وقطعت شكّ الخصوم بيقين سعوديّ يفيد بأنّ “التحوّل في سوريا نهائي ويتمدّد”.
سوريا هي السّعوديّة
أهمّ رسالة لحدث المنتدى ما خرج به الإعلان صراحة من أنّ “سوريا هي السعودية والسعودية هي سوريا”. بكلمة أخرى، الأمن الاستراتيجي للمملكة هو من أمن سوريا وتحوّلاتها، وبات أيضاً من سقوط النظام البائد وانتهاء زمن “هلال” إيران الذي حُفر في صدر المنطقة بين طهران وبيروت. أيّ تهديد أو ظهور احتمالات تهديد ضدّ سوريا هو أمر يمسّ مباشرة وبشكل بنيويّ أمن المملكة ورؤاها الاستراتيجيّة الكبرى.
ولئن أمرت الرياض بـ “الزحف” باتّجاه دمشق، فإنّ الأمر جزءٌ من تلك الفلسفة التي أملت على وزارة الخارجية السعوديّة فجر 8 كانون الأوّل 2024، أي فجر يوم سقوط النظام السابق، وقبل أن يدخل الشرع نفسه دمشق، إصدار بيان لا تردّد ولا تلعثم فيه يعلن احترام المملكة “لخيار الشعب السوري”، معتبرة أنّه آن أوان أن ينعم بالحياة الكريمة التي يستحقّها، معربةً عن “ارتياحها” للإجراءات التي اتُّخذت لضمان سلامته وحقن الدماء والحفاظ على مؤسّسات الدولة السوريّة. حينذاك وقفت بقيّة عواصم الدنيا مذهولة أمام حدثين: سقوط دمشق وبيان الرياض.
رسالة السعودية لسوريا واضحة: ناقشوا. جادلوا. طوّروا أداءكم. فنحن معكم. تقول الرسالة: نعرف أنّكم تتلمّسون معالم طريق وعر طويل، وأنّ العالم أعاد اكتشاف سوريا مع ما يعنيه هذا الاكتشاف من عداء وتوجّس وأطماع. تقول الرسالة للعالم إنّ “سوريا هي السعوديّة” ومن له مشكلة مع سوريا فمشكلته مع السعوديّة. وتكشف الرسالة أنّ المنطقة واحدةٌ موحّدةٌ في هذا الموقف، وأنّه حين يلمّح وزير خارجية تركيا، حقّان فيدان إلى أنّ هناك خريطة طريق جديدة لسوريا، فإنّ المملكة مصدر تلك الخريطة وجهاتها. والرسالة مباشرة إلى الأصدقاء في واشنطن بأنّ أمر سوريا لا يحتمل “سوء تفاهم”، وفق تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
فهم الجميع الرسالة. السوريون. الإيرانيون. الفلول. المتشكّكون…إلخ. فهمت واشنطن الرسالة نفسها. أعادت مبعوثها، توم بارّاك، إلى المنطقة، يجول ليؤكّد من جديد أنّ لسوريا بوصلة واحدة هي دمشق، المدينة التي نفّذت فيها المملكة “إنزالاً” من الإزدهار والأمل.
محمد قواص




Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top