رئيس التحرير
تبدأ صحيفة “الرائد” بهذا العدد مجلدَها السابع والستين بعد ما قضت 66 سنة في توجيه الأمة، وإرشادها فيما يهمها من قضايا ومشاكل، ومآسي وأزمات، والتنبيه والتحذير عما يهددها من أخطار ومخططات، وتحديات وأيديولوجيات، وتقديم حلول ومعالجات تحتاجها الأمة والمسلمون في مختلف أنحاء العالم،مستمدة من منابع الإسلام،وواقع الحياة،وذلك في ظل توجيه العلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، ومن تربوا في رعايته وتربيته، وتبنوا أفكاره ومنهجه، وكان في مقدمتهم فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي منشئ هذه الصحيفة، والمفكر الإسلامي الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي، والكاتب الإسلامي الكبير محمد الحسني منشئ مجلة “البعث الإسلامي”، وفضيلة الدكتور سعيد الأعظمي الندوي رئيس تحرير مجلة البعث الإسلامي، والأستاذ عبد الله بن محمد الحسني الندوي،والأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي الذي توفي في 15/يناير لهذا العام 2025م.
وقد شاهدَت “الرائدُ” في هذه الفترة الممتدة على 66 سنة، قيامَ نظم سياسية متعددة، ونظم اقتصادية، واتجاهات فكرية واجتماعية، ومناهج تعليمية،وأيديولوجيات ثقافية وحضارية،ونشوء حركات وهتافات بأسماء لماعة خادعة، من التقدم والتطور، والإصلاح والتجديد، والنهضة والتنمية، مثل القومية والوطنية والاشتراكية، وقد اختارت بعضُ الحركات صفة “الإسلامية” مع أنها كانت غير مخلصة، وخاضعة للعناصر الأجنبية، فانخدع بها عدد من أصحاب الفكر الإسلامي، وأحدثت هذه الحركات والاتجاهات المستوردة بلبلة فكرية واضطرابًا سياسيًا في العالم الإسلامي.
وفي هذا الفترة قامت في بعض البلدان الإسلامية، نظم مستبدة، اتخذت وسائل القمع والكبت، وسلب الحريات، وتكميم الأفواه، والتعتيم، وتبنت الاشتراكية، وكانت بعضُها متشددة في فرض الاشتراكية كمصر، وسوريا، والعراق، والسودان، وليبيا والجزائر،حتى فُرِضَ الحظرُ على الكتب الدينية والمنشورات الإسلامية، والأذان، وواجه العمل الإسلامي عقوبات وشدائد، وإجراءات تعذيب واعتقال وطرد.
ووقعت انقلابات عسكرية في مختلف أنحاء العالم،كانت بعضُها بيضاء، وبعضُها حمراء، وسقطت نظم استعمارية وانهارت، وحلت محلها نظم استعمارية أخرى، وتحررت البلدان من عبودية، ووقعت في عبودية عقلية وفكرية كانت أخطر من السابق، وبدأت الحرب الباردة، وحدث الصراع الفكري والغزو الثقافي الأوروبي، والغزو الاشتراكي، فقبلت بعضُ الدول الحضارة الغربية المادية، ثم قبلت الاشتراكية، فتعرضت القيم والمثل الإنسانية للاستهانة، والعقيدة الإسلامية للاستهزاء والاستخفاف، ثم انتقل الصراع الفكري إلى الصراع المسلح، كالغزو السوفياتي على أفغانستان، والثورة الإيرانية، والحرب الإيرانية العراقية، وغزو العراق للكويت، وبالتالي دخلت القوات الأجنبية في المناطق العربية، وفي الأخير وقعت أحداث 11/ سبتمبر التي سبَّبت الحرب على الحركات الإسلامية، والانتماء إلى الإسلام، باسم مكافحة ما يسمى بالإرهاب أوالتطرف الإسلامي المزعوم، فكان أفغانستان الضحية الأولى، ثم العراق، وانتقل العالم إلى الصراع المسلح، وسيطرت القوة العالمية على العالم كله، لفقدان التوازن في القوة، وتحوَّل العالم إلى قرية واحدة أو مستعمرة تخدم مصالح القوة العالمية، بغطاء ” العولمة” أو “النظام العالمي الجديد”، ثم جاء الربيع العربي الذي كان في الواقع الخريف العربي، فزُجَّ الدعاة والمصلحون والعاملون في السجون والمعتقلات، وأُقْصِيَ أصحابُ الاتجاه الإسلامي من الحكم، فتتدخل القوى العالمية في شئون الدول، وتعيث إسرائيل في فلسطين وغزة فسادًا، وترتكب مجازر وحشية، وإبادة غير مسبوقة، بدعم وحماية من القوى العالمية.
فقد قامت “الرائد” في هذه الفترة منذ إنشائها عام 1959م -ولا تزال تقوم- بتأدية وظيفتها الصحفية، ورفعت صوتها” نحن مع الحق، لا نجافي ولا نحابي، بل شعارنا إلى الإسلام من جديد” وسدَّت حاجةَ الإعلام الإسلامي الهادف، والكلمة الطيبة النزيهة التي تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتكشف عن مواضع الخطر، ومكامن الشر، وقد جاء في المثل العربي “رائد القوم لا يكذب أهله” فقامت بالتوجيه، والإرشاد، والتنبيه، والإنذار، وكشف القناع عما يُخَطَّطُ ضد الأمة والإسلام، وإيجاد الوعي، وإثارة الشعور والضمير الإنساني،وإيقاظ النفوس،وتغذية العقول بالغذاء الصالح الطيب، واختيار الحكمة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ونبذ العنف، وإن صحيفتنا “الرائد” تسير على نفس الخط الذي خطَّه لها العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي، وسار عليه تلامذته، وهو خط الوسطية والاعتدال، والإنذار والتنبيه بالحكمة،ورفع صوت المظلومين، والعودة إلى الإسلام الحقيقي الذي يضمن لبقاء المسلمين كأمة واحدة، وهذه هي الفكرة التي تبنتها “الرائد” وتعمل لنشرها منذ صدورها حسب ما يتيسر لها من وسائل وكوادر، ويشرف عليها حاليًا فضيلة الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي (الرئيس العام لندوة العلماء) الذي تربى في حضن الإمام الشيخ أبي الحسن الندوي، والشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، والشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي، ونشأ في رعايتهم، واحتضن أفكارهم، ويسير على منهجهم، منهج الوسطية والاعتدال، وهو الحل في العصر الحاضر كما كان في العصر الماضي.