درس من السنة | الإخلاص شرط قبول العمل عند الله


عبد الرشيد الندوي

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الرَّجُلِ يُقاتِلُ شَجاعةً، ويُقاتِلُ حَميَّةً، ويُقاتِلُ رياءً، فأيُّ ذلك في سَبيلِ اللهِ تَعالى؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَن قاتَلَ لتَكونَ كَلِمةُ اللهِ هي العُلْيا فهو في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

تخريج الحديث: أخرجه البخاري (123)، ومسلم (1904)، وأبو داود (2517)، والترمذي (1646)، والنسائي (3136)، وابن ماجه (2783)، وأحمد (19631).

شرح الحديث: هذا الحديث قاعدةٌ فقهيةٌ نبويةٌ في باب الجهاد، يُبيِّن فيه صلى الله عليه وسلم أن الميزان في القتال ليس صورة الفعل، بل قصد الفاعل. فالرجل قد يُقاتل في صفّ المسلمين، ويُقتل في المعركة، لكن لا يُعدّ قتاله جهادًا، ولا يُعدّ مقتوله شهيدًا، إلا إن كان غرضه من القتال إعلاء دين الله.

قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله”، جملة جامعة، تُخرج كل من قاتل لغرضٍ دنيوي أو نفسي أو قومي أو شخصي، كمن يقاتل شجاعةً، أو انتقامًا، أو حميةً، أو رياءً، أو طلبًا لمدح، أو عصبيةً لبلد أو قبيلة أو حزب، فكل هؤلاء ليسوا في سبيل الله، وإن حملوا السلاح، ووقفوا في الميدان، وماتوا فيه.

الحديث يدل على أن العمل لا يكون مقبولًا عند الله إلا إذا اقترن بابتغاء وجه الله، وكان باعثه قصد إعلاء كلمة الله، وإظهار دين الله، وتمكين شرع الله، ورفع راية الحق.

وهذا الأصل عامّ، لا يختصّ بالجهاد، بل كل عملٍ يُنسب إلى “سبيل الله” من الدعوة، والتعليم، والخدمة، الإعانة، لا يكون أي ذلك في سبيل الله حتى يكون مقصوده إعلاء كلمة الله وحدها.

وهذا أمر خطير جدا أن الرجل قد يظن نفسه عاملا في الخير، ناصرا لدين الله، خادما للأمة، ولا يُقبل عمله، لأن نيته فاسدة. كما في الحديث الآخر أنه من أول من تسعر بهم النار، يقال: “قاتلت ليُقال شجاع، فقد قيل.” وهذا من أوضح أدلة إبطال العمل بالرياء، وإن كان في أعظم الأبواب، فكم من قتيلٍ في ساحة القتال، متضرجٍ بدمه، متعفّرٍ في التراب، فيما يبدو شهيدًا، وهو طُعمة النار.

وكم من مصل منتصب باكٍ في المحراب، يطيل الركوع والسجود، وهو مردود عند الله.

وكم من قارئ للقرآن، يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وليس له فيه إلا حظ الدنيا.

وكم من معلمٍ للعلم مجتهد وهو عن القَبول مطرود.

فالواجب على كل من يدخل في ميدان الجهاد أو الإصلاح أو الأمر بالمعروف أو الدعوة أو التعليم، أن يُراجع نيته، فإن كانت لوجه الله، فليبشر، وإن كانت لغيره، فليُصلح، فإن الله غني عن العالمين.



Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top