- جهاد أبولحية: تمسك تل أبيب بالبقاء فى «محور موراج» يهدد بإفشال الاتفاق
- أيمن الرقب: الإدارة الأمريكية لم تمارس ضغوطًا حقيقية ومباشرة على نتنياهو
قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية والمحلل الفلسطينى، إن الإدارة الأمريكية لم تمارس ضغوطًا حقيقية ومباشرة على رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، بل منحته وقتًا إضافيًا لترتيب أوراقه الداخلية، خاصة مع اقتراب عطلة الكنيست الصيفية نهاية الشهر الجارى.
وأوضح «الرقب» أن تقارير إسرائيلية أفادت بتأجيل الإعلان الرسمى عن وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين إلى ثلاثة، انتظارًا لدخول الكنيست فى إجازته، ما يمنح نتنياهو هامشًا أوسع للتحرك السياسى داخليًا.
وأشار إلى أن التصريحات التى سبقت مغادرة نتنياهو واشنطن، والتى شددت على ضرورة تفكيك سلاح حركة حماس والقضاء عليها، لم تكن مطروحة على طاولة المفاوضات، بل تعد جزءًا من الخطاب الإعلامى لا أكثر، إذ إن المرحلة الحالية من التفاوض تتركز على قضايا الهدنة والانسحاب الإسرائيلى من رفح ومحور صلاح الدين، دون اتفاق نهائى حتى الآن.
وأضاف أن القاهرة والدوحة تمارسان ضغوطًا كبيرة لدفع الأطراف نحو توافق، فى حين ترى واشنطن أن الخرائط التى قدمتها إسرائيل للانسحاب غير متوافقة كليًا مع ما جرى التفاهم عليه فى يناير الماضى.
وأكد أن هناك توجّهًا دوليًا، وتحديدًا أمريكيًا، لإحداث حالة من التهدئة فى الشرق الأوسط، ما قد يفضى إلى وقف إطلاق نار مؤقت فى المرحلة المقبلة، تتبعه مفاوضات أكثر عمقًا قد تفضى إلى وقف دائم لإطلاق النار فى حال توافرت الشروط السياسية والأمنية المناسبة.
من جهته، رأى الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية، أن اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة بات أقرب من أى وقت مضى، والأيام القليلة المقبلة قد تتضمن الإعلان الرسمى عنه، فى ظل ضغوط دولية غير مسبوقة واصطفاف محورى بين واشنطن والقاهرة والدوحة لدفع الأطراف نحو الحسم.
وأضاف «أبولحية» أن هذه المرة لا يملك نتنياهو أى هامش للمراوغة أو المناورة، فالدلائل واضحة وتشير إلى أن لحظة الحسم تقترب سريعًا، لافتًا إلى أن استدعاء نتنياهو إلى البيت الأبيض بشكل مفاجئ وخارج إطار الزيارة المعدّة مسبقًا، يعكس حجم الضغط السياسى الذى يتعرض له من الإدارة الأمريكية، فى ظل إصرار واشنطن على تحقيق اختراق ملموس فى هذا الملف.
وشدد على أن من المؤشرات البارزة، أيضًا، قرار مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بعدم السفر إلى الدوحة كما كان مقررًا، وبدلًا من ذلك اختار البقاء فى واشنطن بالتزامن مع زيارة نتنياهو، وذلك بهدف تنسيق مباشر ومكثف مع البيت الأبيض لإغلاق التفاصيل النهائية المرتبطة بالاتفاق، ويعزز هذا المسار وصول وفد قطرى رفيع المستوى إلى واشنطن، يضم مسئولين متخصصين فى ملف التفاوض مع حماس، فى لحظة يراد لها أن تكون حاسمة ومغلقة أمام احتمالات التأجيل.
وتابع: «رغم كل هذه المؤشرات الإيجابية، فإنه لا تزال هناك عقبة أساسية تهدد بإفشال الاتفاق أو تقويض استقراره لاحقًا، وهى تمسك إسرائيل بالبقاء فى محور موراج، وهو المحور العسكرى الذى يفصل بين رفح وخان يونس، ويعد من أهم خطوط السيطرة التى أنشأها الجيش الإسرائيلى خلال الحرب الأخيرة».
ولفت إلى أن إسرائيل تصر على عدم الانسحاب من هذا المحور الحيوى، ليس لأسباب أمنية مؤقتة كما تزعم، بل تمهيدًا لتنفيذ مشروع أكثر خطورة يتمثل فى إقامة ما تسميه بـ«المدينة الإنسانية»، وهى فى الحقيقة منطقة مغلقة من الخيام تنوى إسرائيل أن تجبر ما يزيد على ستمائة ألف فلسطينى على العيش فيها تحت إشراف مباشر لجيش الاحتلال الإسرائيلى، وبموجب إجراءات أمنية صارمة تشمل التفتيش الكامل، ومنع حرية الحركة، والتحكم الكامل فيمن يدخل إليها ومَن يخرج منها.
وقال: «رغم الاسم المخادع، فإن المدينة المشار إليها لا علاقة لها بالإنسانية، بل تمثل فى جوهرها شكلًا معاصرًا لجريمة الفصل العنصرى كما يعرّفها القانون الدولى».
وأضاف أنه وفقًا للمادة ٧ «٢-h» من نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، تعد جريمة الفصل العنصرى أفعالًا لا إنسانية تُرتكب فى سياق نظام مؤسسى يقوم على الهيمنة المنهجية لجماعة عرقية على أخرى، ويرمى إلى الإبقاء على تلك الهيمنة، وهو ما ينطبق حرفيًا على المشروع الإسرائيلى المقترح.
وأكمل: «تنص الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصرى لعام ١٩٧٣ على أن السياسات التى تهدف إلى عزل جماعة بشرية، والتحكم فى تحركاتها، ومنعها من المشاركة فى الحياة العامة أو العيش بحرية، هى سياسات فصل عنصرى يجرمها القانون الدولى وتعد جريمة ضد الإنسانية».
وأشار إلى أن ما تخطط له إسرائيل تحت مسمى «المدينة الإنسانية»، هو فى الواقع معتقل جماعى واسع النطاق، يقوم على أساس قومى بحت، إذ يُحتجز فيه الفلسطينيون من سكان غزة ضمن مساحة مغلقة يشرف عليها الجيش، ويمنعون من العودة إلى منازلهم أو التحرك بحرية.
وأوضح أن إنشاء مثل هذا الكيان، هو مقدمة لمرحلة جديدة وخطيرة من التهجير القسرى الجماعى، وهو ما تسعى حماس إلى منعه تمامًا من خلال تمسكها بانسحاب إسرائيل الكامل من محور موراج كشرط أساسى للوصول إلى اتفاق، لافتًا إلى أن حماس تدرك أن بقاء إسرائيل فى هذا المحور لا يعنى فقط بقاءً عسكريًا، بل تثبيتًا لوقائع تهدد النسيج الديموغرافى والسياسى لغزة على المدى البعيد.
وأكد أنه فى خلفية هذا المشهد، يبرز البعد الشخصى والسياسى للرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الذى عاد بقوة إلى مركز التأثير فى ملف غزة ويدفع باتجاه اتفاق شامل، لأنه يرى أن وقف حرب الإبادة الجماعية فى القطاع قد يكون بوابته لنيل جائزة نوبل للسلام.
وقال: «ترامب، الذى يسعى لاستعادة صورته الدولية كرجل صفقات وتسويات، يدرك أن اتفاقًا فى غزة، بعد كل هذه الأشهر من الدمار والقتل، سيكون إنجازًا عالميًا يضع اسمه فى صفحات الجوائز الدولية، وفى مقدمتها نوبل، ولذلك يضغط بكل ما أوتى من نفوذ، من خلال مبعوثه ستيف ويتكوف، لانتزاع توقيع من الطرفين، ولو عبر ضمانات سياسية أو ضغط مباشر على نتنياهو».
وأضاف أن المدينة الإنسانية التى تروج لها إسرائيل ليست سوى غطاء قانونى لمعتقل جماعى وانتهاك فج لمبادئ القانون الدولى، ويجب تسليط الضوء على هذا المخطط ومنعه قبل أن يتحول إلى واقع دائم.
وأكد: «ما يحدث الآن ليس مجرد مفاوضات وقف نار، بل معركة حول هوية غزة ومستقبل أهلها، وما إذا كانت ستبقى أرضًا حرة لأهلها، أم تُحوَّل إلى سجن جماعى باسم الإنسانية».