وبموازاة هذا التصعيد، خرج نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف بتصريحات نارية، رافضا الإنذارات الأميركية، ومؤكدا أن “روسيا ليست إيران ولا إسرائيل”، في دلالة على جاهزية موسكو للمواجهة، مهما كان الثمن.
لكن هل تسير الأمور فعلا نحو حرب مباشرة بين روسيا وأميركا، وهل ترامب بصدد فرض معادلة جديدة على خارطة النظام العالمي، أم أن هذا التصعيد هو مجرد أداة تفاوضية ضمن خطة أوسع لإعادة تشكيل النفوذ الدولي؟
مهلة الحرب أم فرصة سلام؟
منح ترامب موسكو مهلة زمنية – تقلصت من خمسين يوما إلى 12 يوما – للتوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا، مهددا بفرض عقوبات اقتصادية شاملة على كل من يتعامل مع روسيا، بما في ذلك الصين، الشريك الاستراتيجي الأبرز للكرملين.
هذه المهلة، كما وصفها الكاتب والباحث السياسي بسام البني في حديثه إلى برنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية”، تمثل إهانة دبلوماسية صريحة لموسكو، وتشكل في نظر القيادة الروسية ما يعادل “إعلان حرب مباشر”.
وأضاف البني: “هل كانت أميركا لتقبل لو أعطتها روسيا مهلة زمنية لإنهاء حربها في فيتنام وإلا فرضت عليها عقوبات؟”.
وتابع قائلا: “ما يقوم به ترامب أشبه بمحاولة إذلال لدولة نووية ذات ثقل عالمي، وهذا أمر لا يمكن أن تقبله روسيا ولا شركاؤها من دول البريكس، وعلى رأسهم الصين”.
ميدفيديف و”لسان حال الشارع الروسي”
في خضم هذا التصعيد، جاءت تصريحات مدفيديف لتعبّر بوضوح عن المزاج العام الروسي.
وبحسب البني، فإن ميدفيديف لا يتحدث كصانع قرار فقط، بل “ينطق بلسان الشارع الروسي”، الذي يرى في محاولات فرض الشروط الغربية انتقاصا من سيادة بلاده، وتهديدا وجوديا يستوجب الرد بكل الوسائل، بما فيها العسكرية.
وأكد ميدفيديف أن روسيا لن تسمح بأن تُعامل كدولة من الدرجة الثانية، معتبرا أن تهديدات ترامب لن تفضي إلا إلى مزيد من التصعيد.
ورغم أن الكرملين حاول أن يخفف من لهجة التصعيد عبر تصريحات المتحدث باسمه دميتري بيسكوف، إلا أن المضمون يبقى واضحا: لا تفاوض تحت التهديد.
بين ترامب والصين: مواجهة مع محور الشرق
في سياق التهديدات، لوّح ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على الدول التي تواصل استيراد الطاقة من روسيا، وعلى رأسها الصين.
وهنا يتساءل البني: “من هو ترامب ليعاقب الصين؟”، مضيفا أن بكين “لن تقبل بهذا التهديد أبدا”، لأن العلاقة بين الصين وروسيا أصبحت، بحسب تعبيره، “تحالفا لتغيير التاريخ”.
وذهب البني إلى أبعد من ذلك حيث قال إن ترامب، بمحاولته فرض العقوبات على الصين، “يتحدى قطبين عالميين لا يمكن لأي قوة ثالثة أن تنافسهما”.
وأوضح أن “الصين تعلم أن بعد روسيا سيأتي دورها، لذلك فإنها ستدافع عن موسكو حتى النهاية، وروسيا بدورها لا يمكنها أن تخسر هذه الحرب، ليس فقط من أجل أمنها القومي، ولكن من أجل توازن العالم”.
اقتصاد الحرب: المستفيد والخاسر
يرى البني أن واشنطن لا تريد حقا إنهاء الحرب في أوكرانيا، لأنها تستفيد اقتصاديا من استمرارها، لا سيما عبر بيع الطاقة لأوروبا.
ووفق تقديراته، إذا التزمت أوروبا بالعقوبات التي يلوّح بها ترامب، فإن وارداتها من الطاقة الأميركية سترتفع من 270 إلى 350 مليار دولار سنويا، وهو رقم يصعب تحقيقه في ظل بنية الطاقة الأميركية الحالية.
إلا أنه في حال تم تنفيذ العقوبات الشاملة، فإن العلاقة الاقتصادية الصينية-الأميركية ستصاب بالشلل، الأمر الذي سيضرّ بالاقتصاد الأميركي أكثر مما يضر بخصومه.
ولفت البني إلى أن الصين سبق أن تحايلت على العقوبات الأميركية، عبر استيراد النفط الإيراني والفنزويلي تحت أسماء دول أخرى، ومن المرجح أن تفعل الشيء نفسه مع النفط الروسي.
روسيا: الاستعداد لحرب كبرى؟
في تحليله للخيارات الروسية، يقول البني إن موسكو “تحضّر نفسها لحرب عالمية ثالثة، إذا دعت الحاجة”، مشيرا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن منذ بداية العملية العسكرية الخاصة أن بلاده لن تتراجع عن أهدافها، حتى لو واجهت العالم بأسره.
واسترسل قائلا إن: “روسيا تعتبر أن أمنها القومي وهيبتها العالمية على المحك، ولا مجال للتراجع الآن”.
وبيّن البني أن “ما تطرحه روسيا في مشروع الهدنة هو ببساطة: إذا أردتم وقف إطلاق النار، فسنوقف تقدمنا العسكري. وإن لم تريدوا، فسنواصل التقدم حتى نأخذ كل أوكرانيا”.
وتساءل البني في نهاية حديثه: “هل يتوقع ترامب فعلا أن تذعن روسيا لمهلة تهديد؟ ألا يعلم أن هذا الموقف سيستفز حلفاء روسيا قبل خصومها؟”.
واختتم البني بالقول إن “الولايات المتحدة لم تعد قادرة على إدارة النظام العالمي كما في السابق، لأن العالم يتغير أمام أعيننا، لكن واشنطن لا تريد الاعتراف بذلك. لذلك نحن أمام صدام حتمي بين الواقع والطموح الأميركي”.
خارطة ما بعد المهلة
إذا انقضت المهلة الأميركية دون اتفاق، فإن العالم سيدخل مرحلة جديدة من الصراع، تتجاوز أوكرانيا إلى إعادة رسم التحالفات الدولية، وربما إلى صدام مباشر بين الأقطاب الكبرى.
فالخلاف اليوم ليس على تسوية في دونباس، بل على من يرسم ملامح النظام العالمي المقبل: أميركا كما كانت، أم روسيا والصين كما تريدان؟
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، قد تكون المهلة التي حددها ترامب بداية عدٍّ تنازلي، ليس فقط نحو جولة جديدة من المواجهة، بل نحو تحوّل جذري في قواعد اللعبة الدولية.