كل واحد فى ناحية



أتابع بحزن ما يجرى على أرض سوريا الحبيبة.. تلك البلاد التى تعلمنا أنها بوابة مصر الشرقية.. هى بلادى.. ألم يكن جيشنا الأول هناك.. ألم يقل المذيع ونحن أطفال صغار.. حينما توقف البث.. أو تعطل.. هنا القاهرة من دمشق.. ثمة الكثير الذى يربطنا بتلك البلاد روحًا وتاريخًا وجغرافيا.. كنت أتابع بحزن حصارها لسنوات.. وكلما التقيت صديقًا سوريًا فى القاهرة سألته عن الأحوال.. أهل سوريا الذين يعيشون بيننا منذ سنوات لم نشعر لحظة أنهم بعيدون عنا أو أنهم ضيوف.. وهم كذلك.. لكنهم يشعرون بوجع بلادهم.. كانوا يخشون من مصير بلاد تمزقت ولم تعد.. نحن أيضًا كنا نخشى ذلك.. لكننا ورغم أننا نعرف منذ سنوات بعيدة ورأينا بأعيننا كل تلك المخططات التى لم تعد سرية.. لم نكن نتخيل أنها ستصبح أمرًا واقعًا نتجرعه مرًا حارقًا.. ورغم أن العراق سقط أمام أعيننا.. والسودان انقسم أمام أعيننا وليبيا واليمن.. رغم رؤى العين هناك من أهلنا مَن لا يصدق.

 

الفخ المنصوب لهذه المنطقة.. لم يكن بعيدًا عن أقدامنا.. لكننا سقطنا فماذا بعد.. ما يجرى الآن بين الدروز ومن يسمونهم عشائر.. أليسوا عربًا.. أليسوا أبناء وطن واحد.. كيف لهم الانسياق وراء ترهات العدو وأكاذيبه؟.. كيف تحولوا إلى أدوات لبعثرة ما تبقى من روح سوريا؟.

 

الرأس المثخن بجراح هذه البلاد لم يعد يحتمل.. ولا يجد طريقًا للانفجار والخلاص.. بعض الذين لا يتخيلون أنه لا شىء بعيدًا عن بيوتنا لا يزالون على غيهم.. وما حدث بعد إذاعة بيان الداخلية حول خلية حسم والتعامل معها فى أحد أحياء الجيزة الشعبية مر على البعض وكأنه حدث عابر.. لا شىء يحدث صدفة.. صحيح أن رجال مصر ومؤسساتها لم تنم أو تغفل لحظة واحدة طيلة سنوات.. إلا أن البعض فى عز انشغاله بأمور حياتية بعضها ضاغط يكاد ينسى أننا فى حالة حرب بالفعل.

خاضت مصر معركة بقاء.. ومن بعدها أو بالتوازى معها معركة بناء البلد من جديد.. فهل سيتركوننا ننتقل إلى مرحلة البلد الصاعد.. كيف.. هم ليسوا مجرد قبيلة.. أو تيار.. أو جيش.. عدونا أكبر من ذلك.. ليس الصهاينة وحدهم من يريد لنا أن نسقط.. الخونة كثيرون.. ومن يزعجهم نجاح هذه البلاد حتى هذه اللحظة كثيرون وإن تغيرت الأقنعة. 

 

لذلك نحن مستمرون فى بناء بلدنا.. ومستمرون فى تصحيح أبصار من تاه وعميت خطواته وزاغت بصيرته.. وهى المعركة التى لن تنتهى.. الجهل هو عدونا الأكبر.. الإحباط وتكسير المجاديف ولعن كل شى والسخرية من كل شىء كلها أدوات للعدو حتى نصل إلى مصير الآخرين.. المطلوب أن يصبح كل قلب مصرى فى ناحية.. وكل عقل مصرى فى ناحية.. وهذا لن يحدث، فقلب هذه البلاد العظيمة لن يستطيع، أيًا مَن كان، أن يفتته.. المهم أن ننتبه وأن نستمر. 

 

ربما يعزف البعض عما يراه شكلانيًا وأمره منتهٍ.. كما هو الحال فيمن يشككون الآن فى جدوى المشاركة فى انتخابات الشيوخ التى هى على بعد أيام.. ربما لا تعجبنا الاختيارات وهذا أمر طبيعى.. ربما نكون متعبين من آثار إصلاحات الاقتصاد.. ربما أرهقتنا السياسة وسئمنا من مجريات شوارعها وتفاصيل خناقات أحزابها.. ولكن.. مؤسساتنا وحياتنا لا بد أن تمضى فى سياقها الطبيعى.. هذا البلد الكبير لا يمكن أن تتوقف عجلة الحركة فيه.. النقد أمر طيب ومفيد.. الغضب أحيانًا قد يفيد.. لكن العزوف مضر.. وهو أول طريق تفتيت الإرادة.. هذه المرة ليست دعوة للمشاركة لمجرد المشاركة.. لدينا ما يزيد على ٣٣ مليون شاب.. هم مستقبل هذه البلاد.. هم الذين سيصنعون المستقبل وسيديرونه.. هؤلاء هم المعنيون بأى تغيير للأفضل وعلينا أن نساعدهم بكل الطرق لممارسة دورهم فى حياة صحية سليمة.. الركون.. فى ظل حيطان البيوت.. هو اللعنة التى لن تدخل إلى شوارعنا أبدًا.. شباب مصر قادرون على العبور بها إلى ما تريد ونريد لها.. ليس مهمًا إلى من سيذهب صوتك.. ليس مهمًا إن كان لك صوت أم لا.. المهم أن تشارك فى صنع حدث دال على العافية والصحة.. مصر عفية وصاحية ما دام مارس كل منا دوره.. فلنفعل ذلك دون إبطاء.. لا تذهبوا بعيدًا.. ما حدش يقول يا عم خلينا ف حالنا.. الحكاية مش حكاية انتخابات.. الحكاية أكبر من فعل سياسى معتاد.. الأصل فى الأمر أن نكون معًا.. فى كل فعل.. وفى كل وقت.. فهذا وحده ما يكسر مؤامرات الجبناء. 





Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top