الإسلام، مشتق في لغته من “السلام” و”الاستسلام لله”، هو دين جاء ليهدي البشرية إلى طريق الهداية والعدل، وليحقق التوازن بين الفرد والمجتمع، وبين الروح والجسد. وقد انتشر الإسلام برسالته السمحة التي تدعو إلى السلام بين الناس، واحترام كرامة الإنسان، ونبذ العنف والظلم والعدوان. ففي جوهره، الإسلام دين السلام؛ سلام مع الله، سلام مع النفس، وسلام مع الآخرين.
أولًا: مفهوم السلام في الإسلام
هو مبدأ شامل يشمل جميع مناحي الحياة. ومن أسماء الله الحسنى “السلام” كما في قوله تعالى: “هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ” [سورة الحشر]. والنبي محمد ﷺ عندما جاء بدعوته، كانت أولى رسائله في مكة المكرمة تتحدث عن الرحمة والسلام، لا عن القتال أو الصراع.
ثانيًا: السلام مع الله
أن يسلم الإنسان أمره لله ويؤمن بوحدانيته، فهذا هو قمة السلام الروحي. فالمسلم حين ينطق بالشهادتين ويؤمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، يكون قد دخل في عهد السلام مع خالقه. هذا السلام يثمر طمأنينة في النفس، ورضًا بالقضاء، وإحساسًا بالحماية الإلهية. قال الله تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [سورة الرعد].
ثالثًا: السلام مع النفس
من أبرز ثمار الإيمان والإسلام هو السلام الداخلي. فالمؤمن يعيش في حالة من الطمأنينة لأنه يعلم أن الله رحيم، وأن الحياة دار اختبار، وأن ما عند الله خير وأبقى. هذه المشاعر تزرع في قلب المسلم الصبر والتسامح، وتدفعه إلى العمل الصالح والبعد عن المعاصي.
رابعًا: السلام مع الآخرين
أمر الإسلام أتباعه أن يعيشوا في سلام مع الآخرين، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ما لم يبدؤوا بالعدوان. قال الله تعالى: “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا” [سورة الأنفال]. وقد عاش النبي ﷺ في المدينة المنورة وسط مجتمع متعدد الديانات، وكان يعامل غير المسلمين بالعدل والرحمة، وأبرم معهم المعاهدات، واحترم حرياتهم. كما قال ﷺ: “ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة” [رواه أبو داود]. ليس فقط في علاقاته مع غير المسلمين، بل حتى في تعامله مع المسلمين، دعا ﷺ إلى أن يكون المؤمن رفيقًا، هينًا، لينًا، يُحب الخير للناس، ولا يُثير الفتن أو العداوات فقال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” [رواه البخاري].
خامسًا: السلام في العلاقات الاجتماعية
دعا الإسلام على نشر السلام بين أفراد المجتمع، فقال ﷺ: “أفشوا السلام بينكم” [رواه مسلم]. والسلام لا يعني فقط تحية لفظية، بل هو أسلوب حياة، يشمل التسامح، والعفو، والإيثار. فأنت إذا سلّمت على غيرك، فقد بدأت العلاقة بروح المحبة والأمان، وليس العدوان والريبة.
كذلك الأسرة المسلمة تُبنى على السكينة والمودة والرحمة، لا على الصراخ والعنف.
سادسًا: السلام في العلاقات الدولية
الإسلام لا يسعى إلى السيطرة أو الاحتلال، بل ينطلق من مبدأ الحرية والعدالة. والدليل على ذلك أن الفتوحات الإسلامية لم تُجبر أحدًا على الإسلام، بل ضمنت للناس حرية العقيدة مقابل دفع الجزية، التي هي بمثابة ضريبة مواطنة تُؤخذ مقابل الحماية. الإسلام يحترم الاتفاقيات والمعاهدات. قال تعالى: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا” [سورة الإسراء]. وحرّم الغدر، وأوصى بالأسرى، ونهى عن قتل النساء والأطفال والشيوخ في الحروب. حتى قطع الأشجار، وهدم البيوت، لا يُسمح به في المعارك.
سابعًا: الإسلام يحارب الإرهاب والعنف
يحرّم الإسلام كل صور الإرهاب والقتل والتخويف، سواء كانت ضد مسلم أو غير مسلم. قال الله تعالى: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” [سورة المائدة]. فالمتشددون الذين يقتلون الأبرياء باسم الدين، إنما هم خالفوا تعاليم الإسلام، وارتكبوا جرائم لا تمت للإسلام بصلة. ومن أعظم الأضرار التي يُحدثها الإرهاب تشويه صورة الإسلام عالميًا، لذا يتحمّل المسلمون مسؤولية توضيح حقيقة الإسلام المعتدل.
ثامنًا: السلام في العبادات
العبادات في الإسلام، من صلاة وزكاة وصيام وحج، كلها تهدف إلى بناء الإنسان المسالم الصادق الرحيم. الصلاة، مثلًا، تنهي عن الفحشاء والمنكر. الزكاة تُطهر النفس من البخل، وتشيع التكافل. الصوم يُدرّب الإنسان على التحكم في نفسه. الحج يُوحّد المسلمين من كل الأجناس في سلام ومحبة.
تاسعًا: السلام في التحية الإسلامية
التحية الإسلامية هي “السلام عليكم”، وهي ليست فقط كلمة بل دعاء صادق للأمان والسلام للآخرين. قال ﷺ: “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” [رواه مسلم]. وجعل رد التحية واجبًا، مما يعزز ثقافة الاحترام والتقدير.
ختاماً ،
إنّ الإسلام، بكل تعاليمه ومبادئه وأخلاقه، هو دين السلام بكل ما تحمله الكلمة من معنى. جاء ليُخرج الناس من ظلمات الجهل والظلم إلى نور العلم والعدل، وجعل من الرحمة والعفو والحوار أدوات للتواصل لا الحرب ولا الكراهية. إنّ من أعظم صور التبليغ عن الإسلام، أن نُجسّده في سلوكنا، وأن نُظهر وجهه الحقيقي، دين الرحمة، ودين السلام. ويكفي أن نعلم أن أول ما يُقال للمؤمنين عند دخول الجنة: “ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ” [سورة الحجر]، لنعرف أن السلام هو غاية الإسلام ومقصده الأعلى.
المهندس بسام برغوت