«يُمنع فدائيو صدام من أي حقوق تقاعدية لعملهم في الجهاز المذكور».
وقد نظرت المحكمة في الدعوى، وتضمّنت أسباب الحكم إشارات قانونية واضحة تمسّ جوهر النص المطعون فيه، حيث ناقشت المحكمة مبادئ المساواة المنصوص عليها في المادة (١٤) من الدستور، وذهبت إلى أن الحرمان من أي حق من الحقوق المدنية أو السياسية يُعدّ عقوبة تبعية، وإذا ورد في نص تشريعي دون صدور حكم قضائي فإنه يكون قد فُرض من السلطة التشريعية خارج السياق القضائي، مما يشكّل مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات. وأوضحت المحكمة أن هذا النوع من الجزاء التشريعي يقوم على صفات وحالات عامة، لا على أفعال محددة صادرة عن الفرد، مما يخلّ بمبدأ المساواة ويُكرّس التمييز القائم على أساس الصفة أو الانتماء الوظيفي، وهو ما يُعدّ مخالفة صريحة للضمانات الدستورية التي تحمي الحقوق الفردية. كل هذه المؤشرات تُوحي ضمنًا بأن النص محل الطعن غير متوافق مع الدستور، وكان من المفترض أن تنتهي المحكمة إلى الحكم بعدم دستوريته.
إلا أن الفقرة الحكمية (المنطوق) جاءت على خلاف ذلك تمامًا، حيث قرّرت المحكمة رد الدعوى، ما يعني تثبيت دستورية النص، واستمرار حرمان المدعي من الحقوق التقاعدية بموجب المادة (٦/رابعًا) النافذة. وهنا وقع تناقض قانوني صارخ بين الأسباب والمنطوق، يُضعف التماسك الداخلي للحكم ويثير الريبة في خلفياته.
ذلك أن الفقه القضائي المستقرّ يقرّ بقاعدة واضحة مفادها:
«إذا تناقضت أسباب الحكم مع منطوقه، يُعتد بالمنطوق وتُهدر الأسباب».
وبناءً عليه، فإن الحكم يُعدّ مثبتًا لسريان النص ورافضًا للطعن، مهما تضمّنت أسبابه من إشارات معاكسة.
ورغم أن المحكمة قضت برد الدعوى، إلا أن الحكم تضمّن في أسبابه إلزامًا صريحًا لهيئة التقاعد الوطنية بصرف راتب تقاعدي للمدعي، متجاوزًا بذلك الحدود الدستورية لاختصاص المحكمة. إذ لا يجوز لمحكمة دستورية، لا سيما من خلال الأسباب غير الملزمة، أن تُصدر توجيهًا تنفيذيًا لجهة حكومية بصرف مستحقات مالية خلافًا للقانون النافذ ومن دون وجود حكم قضائي بات بإلغاء النص. ويُعدّ هذا الإلزام غير المسبوق تدخّلًا مباشرًا في مهام واختصاصات السلطة التنفيذية، فضلًا عن كونه خروجًا عن مقتضى منطوق الحكم نفسه الذي ردّ الدعوى وأبقى على النص ساريًا.
وتزداد خطورة هذا التصرّف حين يُربط بالسياق الشخصي للقضية، إذ أشارت مصادر موثوقة إلى أن المدعي كان على صلة شخصية برئيس المحكمة الاتحادية السابق، جاسم العميري، عندما كان الأخير يشغل منصب ضابط في الجيش السابق، ما يثير شبهات باستغلال موقع القضاء الدستوري لخدمة علاقات خاصة، على حساب قواعد العدالة، والفصل بين السلطات، وسلامة المنظومة القضائية.