تهدئة مرتقبة في سوريا.. هل تنجح خطة الشرع لاحتواء الانقسام؟



بين التحول السياسي وتحديات الواقع

مع استلام الرئيس السوري أحمد الشرع لمهامه، تمضي البلاد بحذر نحو انتخابات برلمانية بين 15 و20 سبتمبر، وسط انقسامات حادة حول تمثيل الأقليات وشفافية العملية الانتخابية. وتبرز النسخة النهائية للنظام الانتخابي المؤقت كمحاولة لإعادة تشكيل “مجلس الشعب” بطريقة تشمل المكونات المختلفة، دون محاصصة صريحة.
لكن المشهد الانتخابي لا يُقرأ بمعزل عن تعقيدات جغرافية وأمنية. إذ لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تسيطر على شمال شرق البلاد، بينما تحتفظ إسرائيل بنفوذ في بلدات من القنيطرة، وتشهد السويداء اضطرابات وخروجا تدريجيا للقوات الحكومية، بالتوازي مع نشاط متصاعد لتنظيم داعش في البادية.
هذه الوقائع، وفق ما ورد في التقرير، تضع عراقيل جدية أمام قدرة لجنة الانتخابات على تنظيم عملية شاملة وعادلة على مستوى البلاد، خصوصا مع بقاء التوزيع السكاني والطائفي غير المتوازن، ما يجعل ضمان تمثيل حقيقي لكل المكونات تحديًا مركزيا في المسار السياسي السوري.

الانتخابات كـ”وسيلة تهدئة”

قدّم الكاتب والباحث السياسي غسان إبراهيم، خلال حديثه إلى برنامج “التاسعة”على سكاي نيوز عربية، تحليلاً معمّقًا للمشهد، معتبرًا أن الحكومة السورية تلجأ إلى البرلمان كوسيلة لامتصاص الاحتقان، وليس بالضرورة كآلية ديمقراطية مكتملة. ويقول: “الحكومة السورية تحاول أن تلقي الكرة في ملعب قسد، بدعوتها للمشاركة في الانتخابات البرلمانية كمخرج سياسي لعقدة الشرق السوري”.

ويرى إبراهيم أن الرسائل السياسية التي تبعث بها دمشق في هذا السياق متعددة الاتجاهات. فهي من جهة تعرض على المكونات المحلية، خصوصًا الكرد والدروز، صيغة من التمثيل السياسي داخل البرلمان، دون المساس بجوهر النظام المركزي. ومن جهة أخرى، تبعث برسائل تهدئة للخارج، وخصوصا واشنطن وتل أبيب.
ويضيف: “هناك أحاديث عن برلمان انتقالي، يُنتخب بطريقة غير شاملة، بل عبر لجان محلية تمثل المناطق. وهو أمر جدلي، لكنه عمليا يسمح باحتواء التوتر دون اللجوء إلى العنف”.

محاولة التفاف على الفيدرالية.. أم بديل سياسي قابل للحياة؟

الشرع، وفق تحليل إبراهيم، لا ينوي فتح باب الفيدرالية، بل يسعى لترميم شرعية مركزية عبر “مؤسسات تمثيلية مرنة”، تسمح بإشراك جميع الأطراف دون منح امتيازات حصرية لأي مكون. ويشير إلى أن النظام يفضل الحل السياسي على الصدام، خاصة بعد دروس السويداء والساحل، حيث أثبت العنف فشله في احتواء التوترات.
ويتابع: “الحكومة تريد أن تقول للمكونات: لا نريد تصعيداً… تعالوا إلى البرلمان، وسنوزع المقاعد بعدالة حسب الكتل السكانية، دون محاصصة أو تمييز”.
اللافت هنا هو تأكيد إبراهيم أن البرلمان لن يُنتخب عبر اقتراع شعبي شامل، بل عبر لجان مناطقية تنتخب ممثلين، ما يجعله أقرب إلى مجلس وساطة مجتمعية منه إلى سلطة تشريعية تقليدية.

واشنطن وتل أبيب: تفاهم ضمني أم تفاوض غير مباشر؟

المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أبدى تفاؤله بقرب تهدئة في سوريا، مشيرا إلى أن “الاتفاقات الإبراهيمية ستتوسع”، ما قد يربط سوريا ضمنيًا بترتيبات إقليمية تتجاوز الداخل. وقد أشار إبراهيم إلى أن الشرع استطاع إقناع واشنطن وباريس وحتى أطراف مقربة من إدارة ترامب، بأنه خفف التصعيد في الجنوب، خاصة بعد أحداث السويداء، في محاولة لتثبيت تهدئة دائمة.
ويقول:
“الولايات المتحدة ضغطت على إسرائيل لتجنب التصعيد، خصوصاً في الجنوب الذي يضم القنيطرة ودرعا والسويداء، بمكوناته الدينية والقبلية المتنوعة. التهدئة هنا تخدم مصالح واشنطن وتمنح تل أبيب هامشاً للتفاوض لاحقا”.
ويلفت إلى أن هناك “محادثات مستمرة سورية إسرائيلية”، وإن كانت غير علنية، تركز على العودة لاتفاق فصل القوات لعام 1974، دون التطرق إلى ملفات أوسع.

السويداء والساحل.. الرسائل الأمنية مستمرة

داخلياً، تواصل دمشق حملة أمنية لفرض هيبتها، خصوصًا في مناطق شهدت تفلتا أمنيا. حيث تم اعتقال قيادات بارزة في “غرفة عمليات الساحل”، التي تصنفها الحكومة كجماعة خارجة عن القانون، وعلى رأسهم مالك علي أبو الصالح، ووضاح سهيل إبراهيم، ونضال عثمان. تأتي هذه الاعتقالات في سياق محاولة ضبط الساحل بعد أحداث دامية في مارس الماضي، وهو ما يراه إبراهيم “جهدًا مكملا للعملية السياسية”، لا نقيضا لها.

قسد.. هل تمهد لتنازلات مفصلية؟

ربما التطور الأبرز هو ما أشار إليه إبراهيم بخصوص قوات سوريا الديمقراطية، قائلاً إن قسد بدأت تبدي استعدادا لتقديم تنازلات، من بينها السماح بعودة الدولة السورية إلى مؤسساتها في الرقة، دير الزور، والحسكة، ما قد يعكس تغيرًا في مواقفها تحت الضغط الأمريكي.

ويضيف: “أحد أسباب السكوت التركي هو أن توم باراك، مبعوث إدارة ترامب، يعتبر شخصية مقبولة لدى أنقرة، لأنه يدفع باتجاه سحب السلاح من الجماعات غير النظامية”.

التحدي الأكبر: الاعتراف المحلي والدولي

رغم كل هذه المناورات السياسية والأمنية، يبقى التحدي الأساسي هو شرعية هذه الانتخابات، خاصة مع رفض بعض القيادات المحلية، مثل الهجري في السويداء، لأي تمثيل لا يصدر عن المكونات نفسها. ويقول إبراهيم: “حتى لو وصل ممثل عن السويداء إلى البرلمان، قد يخرج الهجري ويقول هذا لا يمثلنا. عندها ستقول الحكومة: تفضلوا وقدموا ممثلكم. وهي محاولة ذكية لامتصاص الاحتقان”.

جزرة البرلمان بدل عصا السلاح

بينما تبدو التهدئة ممكنة من منظور دبلوماسي، فإن نجاحها على الأرض مرهون بإرادة داخلية جامعة واستعداد دولي لتثبيت الاستقرار. الحكومة السورية، وفق تحليل غسان إبراهيم، تسعى لسحب فتيل الانفجار من خلال البرلمان، لا عبر فرض الفيدرالية أو تقاسم السلطة التقليدي. إنها ورقة سياسية بديلة، أشبه بـ”جزرة”، بعدما ثبت أن “العصا” قد تشعل البلاد من جديد.





Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top