بعد الكشف عن حوار أمني بين إسرائيل وسوريا..ما مصير السويداء؟



ورغم أن المفاوضات لم تسفر عن اتفاقات، إلا أنها فتحت الباب أمام إعادة تفعيل خطوط التواصل بين الجانبين، ضمن مشهد إقليمي ودولي بالغ التعقيد، يتقاطع فيه الأمن، والسياسة، والهوية الطائفية.

باريس… منصة أولى لحوار أمني

مصدر دبلوماسي سوري صرّح لوسائل إعلام رسمية بأن مشاورات أولية جرت في العاصمة الفرنسية باريس بين وفدين سوري وإسرائيلي، بوساطة أميركية، وتركزت على سبل احتواء التصعيد في الجنوب.

ورغم غياب الاتفاقات الرسمية، شددت دمشق على ثوابتها: وحدة الأراضي، ورفض الوجود الأجنبي، ورفض كل مشاريع التقسيم.

ماكرون يتدخل.. والشرع يؤكد السيادة

نتائج مفاوضات باريس وصلت إلى مستوى الرئاسة، إذ أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالا هاتفيا بنظيره السوري أحمد الشرع، أكد خلاله على ضرورة حماية المدنيين وتجنب العنف، مشيدا بوقف إطلاق النار في السويداء، وداعيا إلى مسار سياسي يضمن وحدة سوريا.

الشرع من جهته أكد على سيادة البلاد وعلى أولوية مكافحة الإرهاب، في ظل مشهد داخلي شديد التوتر.

أنقرة تحذر من مشاريع التقسيم وتتهم إسرائيل

وفي موقف لافت، دخلت تركيا على خط الأزمة عبر تصريحات لوزير خارجيتها هاكان فيدان الذي حذر من تحركات وصفها بـ”المشبوهة” في سوريا، متهما إسرائيل بعرقلة جهود دمشق في بسط الأمن.

وطالب فيدان بدعم فني لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة السورية، محذرا من مشاريع تقويض الدولة.

السويداء… الخسائر تثقل ميزان الجنوب

ميدانيا، كشفت مصادر خاصة لـ”سكاي نيوز عربية” من داخل مدينة السويداء أن الاشتباكات الأخيرة خلّفت نحو 1700 قتيل، بينهم 200 عنصر أمني ومقاتل درزي، إضافة إلى ألف مفقود و700 معتقل، في حين تجاوز عدد قتلى الأمن والجيش والعشائر 1500، بعضهم سقط خلال غارات إسرائيلية، ما يعكس حجم التعقيد الميداني وخطورة الوضع الإنساني.

معادلة جديدة.. دون غالب أو مغلوب

انتهت المواجهات في السويداء من دون منتصر، لكن بنتائج ميدانية ترسم ملامح خريطة جديدة لتوازن القوى.

إذ منعت دمشق من الدخول المباشر إلى المدينة، بعد مواجهة موقف درزي حازم يقوده الشيخ حكمت الهجري، عزّز موقع الطائفة كقوة محلية مستقلة الإرادة.

هذا التموضع الجديد لم يذهب نحو الانفصال، لكنه أكد بوضوح أن أمن السويداء “الذاتي” خارج سيطرة المركز.

ومع اتساع رقعة التأييد الشعبي لهذا التوجه داخل الطائفة الدرزية، ظهرت أصوات علنية تطالب بدعم إسرائيلي ودولي لحماية المجتمع الدرزي من محاولات فرض السيطرة الكاملة من دمشق، في مشهد يُعيد إنتاج معادلات ما قبل الحرب، لكن على أسس أكثر تفككا.

وفي المقابل، وضعت إسرائيل معادلتها الأمنية بوضوح: لا عودة للسلاح الثقيل في الجنوب، ولا وجود لقوات غير مرغوب بها على تخوم الجولان، وأي محاولة لاختراق هذا التفاهم غير المعلن ستواجه بردّ مباشر أو غير مباشر.

وبذلك، فرضت تل أبيب قواعد اشتباك جديدة، ترسخ حضورها وتكرّس نفوذها في الجنوب السوري.

الملف الإغاثي أولوية.. والتسوية قيد التبلور

في مداخلته ضمن برنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية” ، رأى الكاتب والباحث السياسي عبد الله الحمد أن ما يجري في السويداء يُعبر عن مشهد أكثر تعقيدا مما يبدو.

وأوضح أن القوات الأمنية السورية تتمركز حاليا على حدود المدينة، بعد انسحاب العشائر وانتشار الأمن العام.

وأكد أن الأولوية حاليا هي للتهدئة، عبر وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، إلى جانب إجلاء مكوّنات عشائرية “تعرضت لهجمات طائفية”.

وبحسب الحمد، فإن الجهود الراهنة تتركز على “تبريد المشهد”، ثم إطلاق مسار يعيد إدماج مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، تمهيدا للعودة إلى “الاتفاق الأول” الذي سبق أن رفضه الهجري وميليشياته، ويتضمن دورا مشتركا للمرجعيات المدنية والدينية تحت إشراف الحكومة.

نقطة الخلاف: السلاح المنفلت وضمانات دولية

أشار الحمد إلى أن نقطة الخلاف المركزية هي ملف السلاح غير المنضبط، والذي تم تأجيل معالجته نتيجة التعقيدات الميدانية الأخيرة، خاصة بعد تعرض قوات الأمن إلى كمين مسلح وقصف إسرائيلي مباشر، ما أدخل الوضع في حالة من الفوضى التي صعّبت العودة إلى الاستقرار.

وبيّن أن التفاهمات الجارية تتم بدعم دولي، إذ دخلت الولايات المتحدة، والسعودية، وتركيا، والأردن كضامنين للاتفاق.

وأشار إلى أن هناك توافقا إقليميا ودوليا على وحدة الأراضي السورية، وتمكين الدولة من استعادة السيطرة، وهو ما يتقاطع مع المسار التفاوضي الذي انطلق في باريس.

من الأمن إلى السياسة.. تحول نوعي في مسار التفاوض

اعتبر الحمد أن المفاوضات مع إسرائيل شهدت تحولا لافتا من الطابع الأمني والتقني إلى الطابع السياسي.

ولفت إلى تصريحات سابقة للرئيس السوري أحمد الشرع من قصر الإليزيه، والتي أكد خلالها وجود مفاوضات غير مباشرة.

وتابع قائلا إن دمشق أعلنت رغبتها في السلام منذ اللحظة الأولى، وتسعى إلى بناء علاقات جديدة مع الجوار، بما في ذلك إسرائيل.

كما كشف أن إسرائيل نفذت أكثر من 500 غارة في ثلاث محافظات سورية، واحتلت نحو 500 كيلومتر مربع، ما جعل من السلام حاجة إقليمية ودولية وليس خيارا تكتيكيا فقط.

ورأى الحمد أن التصعيد الإسرائيلي الأخير بعد أحداث السويداء أربك الولايات المتحدة، التي صرّحت بعدم علمها بالغارات التي استهدفت دمشق.

وأدى هذا الحرج بحسب الحمد إلى ممارسة ضغط مباشر على تل أبيب، خصوصا مع وجود توافق عربي واضح من دول مثل السعودية، ومصر، وتركيا، والكويت، على دعم وحدة سوريا وتثبيت مؤسسات الدولة.

ووفق الحمد فإن هذا الضغط ساهم في إخراج العشائر من المشهد، وانتشار القوات الأمنية، وهو ما يُعد مؤشرا على بداية “حلحلة التعقيدات”، خصوصا بعد تحجيم الدور الإسرائيلي، معتبرا أن هذا التطور منح واشنطن نقطة انطلاق نحو اتفاق أوسع.

ويعتقد الحمد، أن إسرائيل باتت بحاجة ماسة إلى تحقيق نصر سياسي تعوّض به فشلها في غزة، وعجزها عن تحرير أسراها، أو حسم المواجهة مع إيران.

وبرأي الحمد فإن إسرائيل تحاول فرض “اتفاق سلام تحت النار”، عبر “عربدة” ميدانية واستثمار الهشاشة الأمنية، لكنها تصطدم بسياسة “الصبر الاستراتيجي” التي تتبعها دمشق، والتي تستند إلى مشاورات دولية ودعم عربي.

تسوية هشة وتوازن حساس في الجنوب

هكذا أُغلقت صفحة من أعنف المواجهات في الجنوب السوري، لكن من دون حل جذري.

فلا جيش في السويداء، ولا سيطرة فعلية لدمشق، ولا سلاح ثقيل خارج الرقابة، وسط موقف درزي يكاد يكون موحدا.

ومع استمرار الحوار السوري الإسرائيلي، يبقى السؤال: هل تنجح السياسة في تعديل خارطة التوازنات جنوب سوريا، أم أن معادلة “اللاغالب واللامغلوب” ستبقى سيدة المشهد؟





Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top