محمد خالد الباندوي الندوي
أخي العزيز!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإحسان – أيها الأخ – من أنبل مكارم الأخلاق وأعلاها،وإن له لأثرا في النفوس ما ليس لغيره،وبه يقدر الإنسان أن يقرب الأباعد ويلاطف الأجانب،ويحول ألدأعدائه صديقاحميما بشرط أن يكون صاحبه راعي فيه الآداب الإسلامية،ألا وهو صيانة العطاء من المن والأذى، والوفاء للناس بأفضاله بغير تذكير ولا استعلاء، وقدأجادالنابغة الذبياني التعبير عن ذلك في مدحه عمرو بن الحارث حين قال:
علي لعمروٍ نعمة بعد نعمة | لوالده ليست بذات عقارب |
فشبه العطاء الخالص بالعطية الخالية من شوك العقارب، لا تلسع قلب الآخذ، ولا تجرح مشاعره، بل تبقى وادعة الأثر، صافية العاقبة.
وهذا الخلق هو ما أمر الله به عباده، إذ قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}، لأن المنة تفسد الصدقة، وتمحو أثرها، وتضعف روابط المودة، وتجعل المحسن مسيئًا بعد أن كان محسناً.
ولقد جسد الصحابة هذا المعنى واقعًا حيًا، ومن ذلك ما حدث لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مع مسطح بن أثاثة، وكان مسطح من الفقراء المهاجرين، وكان أبو بكر ينفق عليه. فلما خاض مسطح في حادثة الإفك التي آذت بيت النبي صلى الله عليه وسلم حلف أبو بكر ألا ينفق عليه بعد ذلك، فأنزل الله قوله:{وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (النور: 22). فقال أبو بكر: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي، فعاد ينفق عليه وزاد في عطائه، ولم يمنَّ عليه بشيء، بل تجاوز وصفح.
والمنة ليست في المال فحسب، بل تلحق كل معروف يقدم من نصيحة أو إعانة أو شفاعة، فإذا تبعها الإدلال على صاحبها ذهبت بركتها، وتحوَّل أثرها إلى كدر يصدع قناة العزة، ويثقل القلوب.
ولهذا جاء التحذير النبوي الشديد من هذا الخلق، فقال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب (رواه مسلم)، فجعل المنان قرين الكاذب والمتكبر لعظيم خطره وسوء أثره.
فليكن عطاؤنا – أيها الأخ – صافياً من المن، خالصاً من الأذى، كريماً في أسبابه، نبيلاً في مقاصده، فإذا كان كذلك يرفعنا الله به ولا يضعنا، ويمحو أثره كل كدر ويورثنا به كل بر.