من أبرز هؤلاء، وائل عبد اللطيف، الذي شكّل مع أبنائه نموذجًا لعائلة خارجة على القانون في محافظة البصرة. فالأب، الذي سبق طرده من القضاء قبل عام 2003 بسبب قضايا فساد عندما كان يعمل قاضيًا في محافظة ذي قار، صدر بحقه حكم بات عن محكمة جنح الرصافة في 2021، في الدعوى المرقمة (10/ج)، بتهمة تضليل الرأي العام بحق المشتكي هادي العامري، ثم صدر حكم آخر في 2024 في الدعوى المرقمة (239/ج) عن التهمة ذاتها بحق المشتكي محافظ البصرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وائل عبد اللطيف ملاحق بدعوى عن هدر المال العام لدى محكمة تحقيق قضايا النزاهة في البصرة، في القضية المرقمة (94/خ3) في 2023، عن مخالفات ارتكبها عندما كان محافظًا للبصرة. كما أن هناك شكوى أخرى من “الحق العام” بحقه وبحق أبنائه محمد وعلي، تتعلق بقيامه بفتح فرع غير قانوني لمكتب إسمنت أم قصر في البصرة، واستحصال رسوم من المواطنين دون أي سند قانوني أو تدقيق محاسبي من الشركة العامة للإسمنت الجنوبية، إلى جانب مخالفات أخرى جسيمة. وهناك أيضًا شكوى من “الحق العام” لدى محكمة تحقيق قضايا الفساد في البصرة، تتعلق بقيام المتهم وائل عبد اللطيف بتوزيع أراضٍ بصورة غير قانونية خلال فترة تولّيه منصب المحافظ. أما أبناؤه، مجاهد وسرمد، فهما موضوع دعوى مسجلة لدى مكتب تحقيقات البصرة القضائي بتاريخ 2023، برقم الشكوى (2497)، وأحيلت إلى محكمة تحقيق الكرخ بتاريخ 2023، عن جريمة تهديد وفق المادة (430) من قانون العقوبات، بعد إطلاقهما عيارات نارية على منزل المواطن نيزك غازي، وقد صدر بحقهما أمر قبض قضائي. كما أن ابنه سرمد عليه دعوى خيانة أمانة لدى محكمة تحقيق أبي الخصيب، وفق المادة (453) من القانون نفسه، بناءً على شكوى من المواطن إبراهيم مسلم ناصر، وقد صدر فيها حكم بالإدانة. ويواجه ابنه علي دعوى بالرقم (765/ق3) في 2017 لدى محكمة تحقيق قضايا النزاهة في البصرة، عن جريمة استغلال وظيفته كمنتسب إلى رئاسة مجلس الوزراء، وقيامه بالاحتيال على المواطن عصام عباس طعّان، والاستيلاء على مبلغ قدره (150) مليون دينار من أصل (500) مليون دينار، بزعم إصدار خطاب ضمان لصالح الشركة العامة لصناعة واستيراد السيارات/فرع الإسكندرية، وقدّم للمشتكي خطاب ضمان مزوّر منسوب صدوره إلى مصرف الرافدين فرع الوزيرية. ويُضاف إلى ذلك دعوى مقامة من محافظ البصرة، ضد وائل عبد اللطيف وابنه مجاهد، بتهمة تزوير خطابَي ضمان صادرين عن مصرف الرافدين/فرع التأخي، الأول برقم (522) في 2015، بمبلغ (2,7) مليار دينار، والثاني برقم (523) بنفس التاريخ، بمبلغ (5,4) مليار دينار، بشأن سلفة تشغيلية لمناقصة إنشاء كليات في الزبير وأبي الخصيب. أما أبنه سرمد، فرغم كونه موظفًا في وزارة الخارجية، يمارس أنشطة تجارية ممنوعة قانونًا، وقد شارك في إصدار خطابي الضمان المزوّرين بالشراكة مع المدير المفوض لشركة “فيرندا” الإسبانية.
ورغم كل ذلك، لا يزال هؤلاء السياسين يزعمون أن قرار المحكمة الاتحادية لسنة 2023 بشأن اتفاقية خور عبد الله هو قرار بات وملزم لا يجوز إلغاؤه، متجاهلين قرار المحكمة ذاته الصادر في 2014، الذي فصل النزاع نفسه بشكل أدق وأعمق وأقرب للمعايير الدستورية والقانونية وهو قرار بات وملزم ولا يجوز للمحكمة العدول عنه. وقد تم التآمر على هذا القرار من خلال تنسيق سياسي وقضائي بين رئيس المحكمة السابق جاسم العميري والنائبين رائد المالكي وسعود الساعدي، إذ تم تقديم طعن شكلي لتبرير العدول، رغم أن المادة (45) من النظام الداخلي للمحكمة لا تجيز العدول عن “الحكم”، بل عن “المبدأ”، ولا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام نظام داخلي لتجاوز مبدأ “حجية الشيء المقضي به” الذي يمثل ركيزة من ركائز الأمن القانوني في الأنظمة الدستورية.
ولم يكتفِ هؤلاء بتشويه الأحكام القضائية، بل حاولوا تضليل الجمهور بادعاء أن مقال الدكتور القاضي فائق زيدان الموسوم “أمواج خور عبد الله بين قرارين متناقضين”، المنشور باسمه الشخصي، هو بمثابة قرار سياسي بالتنازل عن خور عبد الله، في حين أن المقال جاء في سياق تحليل دستوري خالص للأزمة، ولم يتضمّن أي موقف رسمي، بل سلّط الضوء على خطورة التناقض القضائي وتأثيره على استقرار المراكز القانونية والالتزامات الدولية للدولة العراقية، وقد نُشر بصفته كاتبًا لا بصفته الوظيفية.
أما الاتفاقية نفسها، فه بعيدة كل البعد عن التنازل عن السيادة كما يُروّج. فهي لا تتضمن ترسيمًا جديدًا للحدود، بل تنظم الملاحة البحرية في ممر خور عبد الله، وفق ما تنص عليه المادة (1) من قانون تصديق الاتفاقية، بينما تنص المادة (6) منه على أن الاتفاقية لا تؤثر على الحدود المرسومة مسبقًا بقرار مجلس الأمن (833) لسنة 1993. الاتفاقية وُقعت بطلب من العراق، في بغداد، ومنحته حقًا واضحًا باستخدام (15 كيلومترًا) من المياه الإقليمية الكويتية دون أية قيود مفروضة بموجب قانون البحار، وهو مكسب قانوني يُغفله المهرّجون عمدًا. الأسوأ أن من يطالب بإلغائها لا يطرح بديلاً واقعيًا، ويتجاهل العواقب الوخيمة التي قد تترتب على العراق في حال خرقه لاتفاق دولي مودع لدى الأمم المتحدة، ما قد يؤدي إلى إعادة فتح ملف الفصل السابع، وإدخال البلاد في أزمة مع المجتمع الدولي.
إن ما يحدث ليس خلافًا مشروعًا، بل حملة تضليل يقودها مدانون ومتهمون، يسعون إلى حرف الأنظار عن جرائمهم، وتسويق أنفسهم كمدافعين عن الوطن عبر تهريج إعلامي لا يستند إلى منطق ولا إلى قانون. والواقع أن الوطن لا يُحمى بالكذب، والسيادة لا تُصان بالخداع، ومن يهدد الأمن القانوني للدولة لا يستحق أن يكون في موقع مسؤولية، بل في قفص الاتهام.