(سعيد الأعظمي الندوي)
نحن مسئولون ـ وخاصة في الظروف التي نجتازها، والأوضاع التي نعيشها ـ عن دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بتعمق وتكرار،وبروح إيمانية تستوحى منها دروسًا وعبرًا، وتوجيهات وتعليمات وبينات من العلم والهدى، وتضيء لنا الطريق في ظلمات الأوهام والأضاليل وفي أوساط الكفر والشرك التي تتألب اليوم ضد الإيمان وشريعة الله، وتحارب العقيدة والفضائل والعبادة وحتى المظاهر والأشكال التي تدل على إسلامية المرء، وبقائه على الجادة.
إذا تأملنا في الأساليب والوسائل التي تقف سدًا في طريق العمل بتعاليم الإسلام والتظاهر بأخلاقه وخصائصه، وجدنا أنها أضرى وأشرس بكثير من الأساليب التي مارسها أعداء الإسلام في فجر حياته، فلم تكن عندهم مخططات إرهابية، ولا برامج قصف ونسف، ولم تكن عندهم غازات سامة ولا قنابل مدمرة، ولم تكن عندهم بروتوكلات صهيونية ولا محافل ماسونية، ولا رموز سرية ولا سموم بطيئة، تتولى القضاء على إسلام المسلم وتحويله إلى إنسان هو بريئ عن الإسلام، والإسلام بريئ عنه.
ولم ينته الأمر على هذا الحد ولكنه تجاوز إلى دول كبرى وميزانيات ضخمة لضرب الإسلام والمسلمين، ولكن سيرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام تأخذ بيد المسلم إلى دربه المستقيم، وتبعث فيه النشاط والحماس للعمل الصالح، وتحفزه على تقليد هذه السيرة المثالية واتباع هذه الأسوة الحسنة: ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”( الأحزاب:21) وتمنعه من كل ضلال وطغيان، وتربى في نفسه الفضائل والحسنات والأخلاق الكريمة وتمهد له الطريق نحو الاتصال بالسماء والتحلق في أجواء الشافية والعلو والتقوى.
إن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لهي المثل الكامل الذي يشق الطريق إلى عيش هنيئ في ظل الإيمان والعقيدة، وتحت رعاية الأمن والهدوء، وهو الذي يحدو بالإنسان إلى الالتجاء في ظل السعادة والعز، والمشي في ركب المؤمنين وموكب الصالحين، ولقد اهتدي بهديه إنسان القرن السابع الميلادي فوصل إلى آخر درجة من اليقين والكمال والنزاهة الورع، وملأ الدنيا بالأمن والسلامة والعلم والعمل، والعدل والحق، والصدق والسمو، وعاد بعباد الله المقهورين والبشر التائهين إلى نور الهداية والمساواة، ورحاب الطاعة والإيمان، ولولا تربية الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته النبوية لما تقشع سحاب الجور والظلم وما رأت عين العالم صبح الإنسان الصادق، وفجر الإنسانية المشرق ونور العلم والإيمان الوهاج.
ولكن العالم قد عاد اليوم مرة أخرى إلى وضعه السابق، وتراكمت عليه ظلمات الغرور وجهل العلم والقساوة، وتسفل إلى درك الأنانية وعبادة النفس والهوى، وسوف لا ينتشله من هذا الوضع المتدهور إلا رسالة الإسلام ودعوته التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربه، يوم كان العالم في مثل ما هو فيه اليوم.
ليست مشكلتنا في الحضارات المادية، والعقليات المتمردة، وليست في الأسلحة النووية، والحروب المدمرة، وليست في مطالبات الإنسياق مع تيار الكفر والإلحاد، ولكنها في أنفسنا وفي تناسينا وظيفتنا ورسالتنا، وفي انصرافنا عن عبادة الله وعن تحقيق مطالب الإيمان في حياتنا.
فلندرس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى ندرك أدواءنا وعيوبنا ونجد فيها العلاج الناجح لكل ما نعاني منه من ضعف وتخلف وتدهور وتزعزع ، فهو النموذج الأمثل الكامل للإنسان في كل زمان ومكان وفي كل جيل وعصر.