تأتي هذه الخطوة في ظل رد حركة حماس على مقترحات الوسطاء القطريين والمصريين، الذي تضمن رفضًا لآليات تبادل الأسرى الجديدة وتمسكًا بمطالب اعتبرها الوسطاء والإسرائيليون تعجيزية وتكتيكية.
يُطرح السؤال الملحّ: هل أضاعت حماس بهذه المواقف فرصة حقيقية لإنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة، أم أن التعقيدات السياسية الإقليمية والدولية تفوق القدرة على الحل؟
مصدر داخل حركة حماس كشف لوكالة “رويترز” أن رد الحركة على مقترح التهدئة تضمن مطالب محددة أبرزها “العودة إلى آلية تبادل الأسرى القديمة ورفض دور مؤسسة غزة الإنسانية”، كما “طالبوا بفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين”، وقدموا “خرائط معدلة للانتشار العسكري الإسرائيلي داخل القطاع”.
هذه المطالب، بحسب المسؤولين الإسرائيليين والوسطاء، تثير فجوات كبيرة تجعل المفاوضات تصل إلى طريق مسدود، وسط توتر شديد بين التوافقات السابقة والرغبات الجديدة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد بقوة أنه “لن نقبل بأن تفرض علينا حماس شروطها”، معبّرًا عن عزمه على مواصلة محاولات الإفراج عن الرهائن بشروط إسرائيلية.
سحب الوفد الأميركي: مؤشرات ضغط وتصعيد
في تعليق له على الخطوة الأميركية، قال سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، خلال مقابلة مع برنامج “التاسعة” على سكاي نيوز عربية: “الولايات المتحدة سحبت وفدها المفاوض ربما للتشاور، وربما أيضًا كوسيلة للضغط على حماس التي قدمت تعديلات تقول إسرائيل إنها غير مقبولة من وجهة نظرها”.
وأضاف: “نحن الآن في الأسبوع الثالث من المفاوضات الطويلة التي استمرت كل هذه الفترة، وهناك ما يشير إلى أنها تتعطل الآن، لكنها لم تنهار بعد”.
ووصف غـطاس خطوة السحب بأنها تعكس اقتراب المفاوضات من “حائط مسدود”، مؤكدًا أن ذلك يزيد من مخاطر انفجار المأساة الإنسانية.
يرى غطاس أن حماس تساوم على قضايا تكتيكية لا تمس الجوهر الوطني: “حماس لا تفاوض على مسائل استراتيجية وطنية تخص الشعب الفلسطيني كله، بل تفاوض على مسائل كلها تكتيكية، مثل زيادة مساحة الصيد وزيادة عدد الشاحنات الداخلة إلى غزة وتخفيف الحصار”. وهو يوضح أن ذلك يتناقض مع حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيون “غزة كلها مدمرة، وهناك عشرات آلاف الشهداء، وحتى للحصول على الطعام يُقتل الفلسطينيون، وكل هذه القضايا لا تُطرح في التفاوض”.
وأشار إلى أن حماس تركز على “مستقبلها السياسي ومصير قياداتها، وتأمين ضمانات لقياداتها في الخارج، وضمان أموال ضخمة جمعتها من تبرعات باسم غزة ولم تصل منها دولار واحد”.
التحديات الإقليمية والدولية
شهدت الفترة الأخيرة عدة تحركات دبلوماسية، من بينها اجتماع رئيس الوزراء القطري مع ترامب، وجهود مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف، لكن غطاس قال: “ترامب كان قادرًا على وقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية، لكنه اختار التواطؤ مع نتنياهو، وهذا يعقد حل الأزمة”.
وأضاف أن حماس بدورها “تماطل في التفاوض لتطيل أمد الحرب، مما يزيد عدد الشهداء”، في إشارة إلى استراتيجيتها المزدوجة بين المفاوضات والتصعيد.
على الرغم من انسحاب الوفد الأميركي والتصعيد العسكري المتوقع، يرى غطاس أن “المفاوضات لم تنهار بعد، والوسطاء مصر وقطر ما زالوا يعملون على إحياء الاتفاق”، لكنه أضاف “الحالة الحالية تشير إلى أن فرص التهدئة تتضاءل، وأن الوضع يقترب من مأساة إنسانية أكبر”.
ويختم قائلاً: “الشعب الفلسطيني لم يعد مهتمًا بمن يتحرر من الأسرى، بقدر اهتمامه بوقف القتل والجوع والدمار”.
يمثل انسحاب الوفد الأميركي من الدوحة مؤشرًا خطيرًا على توقف مسار التهدئة، وسط خلافات عميقة بين الأطراف. فحركة حماس تبدو متمسكة بمطالب تكتيكية ذات أبعاد سياسية وشخصية، بينما إسرائيل ترفض التنازلات، ونتنياهو مستعد لتوسيع العمليات العسكرية.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبقى الشعب الفلسطيني هو الضحية الأبرز، يعيش مأساة إنسانية متفاقمة، في انتظار تدخل دولي جاد يوقف نزيف الدم.